تغريد برهوش
الخميس 9/10/2024
السكينة:ما بين زمن الغابات وزمن الغاب
في زمنٍ كان البشر فيه جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة، حيث الغابات تمتد بلا نهاية، كانت السكينة هي الروح التي تسكن الأرض. بعيداً عن صخب وضجيج الحضارة والمدن الحديثة.
كان الإنسان يجد في تلك الغابات ملاذاً من الفوضى، حيث تُسمع الأصوات بهدوء؛ صوت الماء المتدفق من الجداول، همسات الرياح بين أوراق الشجر، وصدى خطى الحيوانات بين الظلال.
السكينة في زمن الطبيعة والغابات لم تكن مجرد حالة من الهدوء الخارجي، بل كانت حالة من الانسجام الداخلي. حينما كان الإنسان يجلس على ضفة النهر، وينظر إلى السماء المليئة بالنجوم، كان يشعر باتصال عميق مع ذاته. اتصال مع الذات له إيقاع خاص يتجاوز كل ضجيج الحياة. تلك اللحظات التي كانت بمثابة تذكير يومي بعظمة الخالق .
السكينة في زمن الغابات كانت بمثابة البوصلة التي توجه الإنسان نحو التأمل والتفكر ..وتمنحه الفرصة والوقت للاستماع لصوت قلبه وتقدير كل لحظة هدوء وسط الحياة اليومية.. لم يكن هناك استعجال، فالحياة كانت تتدفق ببطء، وكان هدوء الطبيعة يُعلمه الصبر والانتظار ؛ كان لكل شيء وقته المناسب، من إزهار الأشجار إلى هجرة الطيور.
ومع تغير الزمان وتقدم الحضارة ، ابتعد الإنسان تدريجياً عن تلك السكينة. ورغم ذلك، لطالما استوطن الحنين إلى هدوء الطبيعة أعماق كل منا ، حيث نسعى للبحث عن أماكن هادئة في حياتنا الحديثة، نعود فيها إلى جذورنا، ولو للحظات، لنستعيد تلك السكينة التي كانت تملأ حياتنا..
أما السكينة في زمن الغاب فهي سكينة مختلفة !
إنها سكينة تُولد من مواجهة الصعاب والنجاة من الفوضى .. بل إنها السكينة من الجانب المظلم من النفس البشرية ؛ من قسوتها وظلمها وجبروتها !!!!
السكينة في هذا الزمن تأتي بعد معارك الذات مع كل عناصر البيئة المحيطة بها . سكينة تعقب الفوضى والصراع، وتُجسد الانتصار الداخلي على المخاوف والتحديات ومشاعر الخذلان والظلم والقهر
السكينة في هذا الزمان .. ماهي إلا لحظات نادرة، لكنها ثمينة. إنها تنبثق من وعي الشخص بقدراته وقوته على التكيف والبقاء.
هي لحظة ارتياح بعد عناء طويل، وبمثابة استراحة بعد معارك الحياة الشاقة، مليئة بالاعتراف بالصمود الداخلي و الإرادة والعزيمة والإصرار،
سكينة نادرة، تتطلب الصبر والتحمل…
وما بين تلك و ذاك ، هناك سكينة أعظم 🤍🤍
سكينة دائمة ونادرة، لا يعرف طعمها إلا من اقترب من الله بصدق وإيمان.
إنها السكينة التي تنبثق من التوكل واليقين وحسن الظن بالله؛ اليقين بأن كل شيء بيد الله، وأنَّ الله يفعل مايشاء متى يشاء وكيفما يشاء .. وأنَّ كل أمر يقضيه الله هو خير .
هذه السكينة هي هبة إلٓهية، لا تُنال إلا بذكر الله والتقرب إليه، “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.
إنها الطمأنينة التي تملأ القلب بالسلام مهما كانت الظروف، حيث يصبح الإيمان بالله هو “الحصن الحصين” الذي يحمي النفس من جميع صور وأشكال خليط المشاعر السلبية المؤلمة في زمن الغاب والظلم والقهر والخذلان
✍🏻 T.B