بين الصورة والحقيقة… والذات المفقودة

شارك هذه المنشور

بين الصورة والحقيقة… والذات المفقودة

 الاربعاء 29/12/2024
تغريد برهوش

على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تختلط الألوان وتتوهج الصور، يقف الإنسان في مواجهة حياة ليست حياته. هنا، حيث الابتسامات لا تخفت، والرحلات لا تنتهي، والسعادة تبدو مُعلبة تُباع في منشور أو قصة عابرة، عندها تُصبح الحقيقة مشوشة، ويبدأ العقل في مقارنة ما يراه بما يعيشه.

تُحاصرنا صور مثالية، ووجوه لا تعرف التعب، وأحلام تُعلق في فضاء افتراضي وكأنها حقيقة مطلقة. لكن ما ننساه، أو ربما ما نتغاضى عنه بإرادتنا، أن كل ما نراه ليس سوى “جزء من القصة”، مشاهد مقتطعة من حياة تمتلئ مثل حياتنا تمامًا، بتفاصيل مخفية، بدموع خلف الكواليس، وبضعف لم يُوثق.

أمام هذه الشاشة، يتسلل الوهم إلى النفس، همسًا في البداية:
“أنت أقل منهم .. حياتك لا تُقارن .. نجاحاتهم عظيمة وأنت لا شيء…. وغيرها من الهمسات والحوارات مع النفس
شيئًا فشيئًا، تتحول هذه الهمسات إلى صرخات تخبو أمامها ثقة الإنسان بنفسه، وتضعف رؤيته لحياته الحقيقية. لكنه لا يُدرك أن هذه المنصات ليست الواقع، بل لوحة مُزخرفة اختار أصحابها ألوانها بعناية، ليعرضوا ما يُبهر، ويخفوا ما لا يُحب أن يُرى.

لكن، هل ندرك أن منصات التواصل يمكن أن تكون إما أداة تحفيز أو سلاحًا يحطم ما تبقى من شعورنا بالذات؟ هنا يكمن السر: ليس في ما تُقدمه هذه المنصات، بل في كيفية تعاملنا معها. أن نُعيد صياغة نظرتنا لها، أن نُدرك أنها ليست سوى نافذة صغيرة تُظهر ومضات منتقاة من حياة الآخرين، بينما القصة الكاملة تُكتب خلف تلك الصور.

لا تُطفئ وهجك لأن شاشة أظهرت نور غيرك. لا تسمح لواقعك أن يُقارن بمشهد افتراضي. فالجمال الحقيقي لا يحتاج إلى عدسة، والنجاح الحقيقي لا يُقاس بالإعجابات أو التعليقات.

حافظ على أفكارك ، تمسك بحقيقتك. وتذكر دائمًا أن ما تراه هو مجرد جزء صغير جدًا من القصة، أما القصة الكاملة فهي ملك أصحابها وحدهم، وتبقى قصتك أنت فقط هي الأهم وملكك أنت وحدك .
كن حاضرًا في حياتك. قدّر ما لديك مهما بدا بسيطًا. الجمال الحقيقي لا يحتاج إلى عدسة تُظهره، ولا إلى مرشح يُحَسِّنه*

وفي نهاية المطاف ، تذكّر أن الحياة ليست سباقًا لالتقاط اللحظات الأكثر تألقًا، بل هي رحلة مليئة بالتفاصيل الصغيرة التي تُصنَع بعناية في صمت.
“الحياة ليست في أن نعيشها، بل في أن نعيشها بصدق”.
لذا، دع حياتك تكون حكايَتك الخاصة، لا تُقارنها بحكايات الآخرين، ولا تُعطيها مقياسًا سوى قلبك ورضاك عنها

المزيد من المقالات

جميع الحقوق محفوظة . صمم بواسطة موركيز